الرابع والعشرين من أوغست| أنهكني الصُداع، من سريري
أنظر للسقف ببلاهة منقطعة النظير، محاولة يائسة للهرب من الصداع، لديّ فوق كل عين عرق، ينبضان كما لو أن بداخل كُل منهما قلب خاص به
وتتقلب التساؤلات في ذهني، تقلب الكباب فوق الجمر -يبدو هذا تشبيه شخص جائع! نعم إني كذلك-
وأظل أقفز من تساؤل لآخر، أبحث عن ثقب للهروب ولا أجد.
ثقب للهروب!
كيف يكون شكله بالنسبة لي؟ طبعًا إجابة
الحل الوحيد لقتل التساؤل هو الإجابة بالتأكيد، ودون نقاش..
ولكن بعد تفكير عميق طويل، عرفت أن الإجابات محظ إسكات، إن لم تقترن بالمحاولة والتجربة..
ألتفت لكل خطوة اتخذتها مهما كان عُمقها أو حجمها، كان خلفها تساؤل!
لطالما كانت محفز لي، للسعي والتجربة والمحاولة وحتى الخطأ، كُنت فيّاضة بالاسئلة دائمًا، كانت تقف بجانبي، أو تحوم حولي تمامًا مثل الفراشات.
-احيانًا أخطط لفعل شيء ما أو هدف ما، ثم أتراجع بحُجة أني قد أفشل أو لأي حُجة كانت.. ويأتيني تساؤل مُسرعًا قبل أن تنتطفئ شرارة الهدف.. “لما لا؟” فتزيد تلك الشرارة ولا تنتطفئ بسبب تساؤل صغير!-
أعتقد أنها كانت تقيم اعوجاجي، أعترف أنها كانت قاسية علي احيانًا، لكنها علمتني أكثر مما فعلت الإجابات الواضحة..
عرفت بها.. طريقي وخلاصي، شغفي، ما إذا كان طريقي واضحًا وهو ما أُريده فعلًا، أو إذا كانت تلك العلاقة تؤثر في سكينتي وطمأنينتي، أو حتى إن رغبت بهذا حقًا أو كان ما أراده الآخرين لي…
وتساؤلات كثيرة عرفت بها حقيقة الأشياء، ليس كلها طبعًا..
وعرفت بها نفسي، في هذه المرحلة..
لما أقول في هذه المرحلة؟
-عُدت لطرح التساؤلات من جديد!-
لأنني عرفت تمامًا، أن طرح التساؤلات لا ينتهي حين أجد جواب يرضيني – جواب المرحلة-، وإنما علي أن استمر في طرحه لاحقًا؛ ليصحح لي اعوجاجي في المرحلة القادمة..
فهدفي الآن، يختلف عن هدفي بعد خمسة أعوام مثلًا وإن كان لا يعارضه..
رهف الآن، تختلف جذريًا عن رهف قبل الجامعة مثلًا
الجواب متغير، ويبقى التساؤل ثابتًا دومًا يُعيد إلي خارطتي وطريقي.
• الإجابات دومًا مؤقتة.
وبالرغم من ذلك وجدت أنها دافع حقيقي، للبحث والمعرفة، لإصلاح الاخطاء، أو للتواصل، وحتى لتعبير عن الحُب…
لطالما ظننت أن التجربة خير من النصيحة، وأفضل معلم للإنسان، ولا تُعقد التجارب بدون تساؤل جارف يدفعنا لها.
هل هي ثغرة من ثغرات الإنسان؟
أعتقد أن التساؤلات ثغرة في الانسان، تشد انتباهه، تثيره دومًا، لذا اتخذها أهل التسويق حُجة، فتستوقفك أغلفة الكتب التي تضم سؤال يثيرك، أو اشياء أخرى مثل ذلك..
دومًا إيجابية تلك التساؤلات؟
لا أنكر أنها غصة، أو شوكة في حلقي احيانًا … خصوصًا حينما لا أجد إجابة للمرحلة..
فيعيش أو يعشش التساؤل في ذهني، يعانقني، أو يلف يده حول يدي… حين أمشي، أو ألهو، حين أكتب، أو أطبخ، حين أتحرق شوقًا للنوم فيحتال علي للتفكير وأهجع وهذه إشارة لأرق قادم يرحب من بعيد، حين ألتقي برفيق أو شخصًا ما فيخطفني من عنده لأسرح بخيالات لا تنتهي..
لا أنكر أنها احيانًا تُحطمني، لطالما فعلت، وتموج في ذهني كـ : إن كان ما أقوم به يستحق؟، أو كان وجودي له معنى في مكان ما؟، إن كنت ابنة أو أخت أو صديقة بما يكفي؟، إن كان هدفي هو مضيعة للوقت أو استثمارًا له؟، إن كنت سأصل دون أن يفوتني القطار الذي انتظره واضعة تلك كومة التساؤلات ملاحظة في ذهني ألا وهي أن “ساقاي قصيرتان!” -لا بالله عليك وكأني لا أعرف!-
تموج بي حقًا، مدًا وجزرًا، جيئة وذهابًا.. ولا تهدأ !
ولكن ما فائدة كوني انسانًا يستطيع المحاربة والوقوف والمواجهة بقوة والتجربة بنفسي ورؤية ذلك بأُم عيني؟
-هذا تساؤل آخر-
-أعترف بتناقضي بشأن كومة التساؤلات تلك، ولكن أحبذ أن أُشير أن للتناقض جانب ايجابي ايضًا، بغض النظر عن كونه جانب طبيعي في كل البشر على حد سواء، ولكنه جانب يدفعك للتوازن.. قرأت مرة أن التناقض حالة تدفع الانسان للبحث عن الموازنة بين ما يفكر به وما يريده وما يفعله، بذلك تحقق السلام الداخلي للانسان، وهذا صعب، لكنه غير مستحيل .. اطلاقًا-
أُحب التساؤلات حتى بعواطفي الانسانية، أعتقد بأنها أكثر رقة وأشد عذوبة، كل التساؤلات الأدبية أو النابعة عن مشاعر عميقة تؤثر بقلبي، وتسلبه!
وحتى التساؤلات العميقة في الكتب، لا أعرف ما الذي يستوقفني عندها لفترة طويلة، احيانًا اقرأها ثم أفكر فيها لأيام..أنسى أن أُكمل قراءة الكتاب، حتى أكتفي من التفكير به، أو تحتلني إجابة مرضية..
آخر تساؤل من آخر كتاب قرأته:
وهناك كثير من التساؤلات المخبئة في القلب، هناك في أعماق القلب، إن كانت أدبية أو حتى بين حديث الأصدقاء.. مثل: “كيف كان يومك؟” تُشعرني حقًا بأهمية الاستماع حتى وإن كان حديثي بسيطًا ساذجًا لا أهمية له..
ايضًا التساؤلات التي تنبع من أفواه الأطفال.. وما ألذها من أفواههم!
• أقرب التساؤلات تلك التي تكون من الأحباب.
لذا أعتقد أن للتساؤلات أثر خفي علينا، حتى وإن جلبت الصداع والأرق، لكنها كانت شيئًا يثير فينا الحماس مرة، أو القوة احيانًا أُخرى، والحيرة مرات كثيرة، ومرات دافع نحو معرفة شيء ما، أو معرفة أنفسنا، وحتى شيئًا رقيقًا يثير العواطف… ولكنها مهما كانت نوعيتها هي الخلاص لتحديد شخصياتنا ربما، ميولنا ايضًا، أهدافنا، وأحلامًا نتمناها كانت هي الطريق لها، وحتى أنها شيئًا عذبًا لنعبر بحُب عن مشاعرنا واهتمامنا بمن نُحب.
تساؤل المرحلة:
“ما لم تبكِ الغيمة، من أين للبستان أن يبتسِم ويُزهر؟”
تمت..
تحديدًا في يوم الأربعاء:
السابع من مُحرم | ١٤٤٢هـ
السادس والعشرين من أوغست| ٢٠٢٠ م
٢:٠٠ م