الخامس من أكتوبر| “أُغني بصوتٍ ضاحك.. ألمي”
سألتني صديقة عزيزة: “كيف حالك؟”
حالي؟
كيف يُمكن أن يقول المرء أنه له أحوال متعددة في لحظة واحدة!
ففي ذات اللحظة، قد يُكسر شيء فيك ويصبح قاعًا صفصفا، ويُبنى في مقابله صرح شعور ما.. ولا تدري أتبكي في قاعك، أم تُصفق لبنيانك؟
في ذات اللحظة.. تتأوه باحتراق في مكان ما بداخلك، بينما يُزهر ربيعك الفتّان خلف الحريق.
ولأنه الإنسان، في ذات اللحظة يغرب عليه شعور، ويُشرق شعور آخر، تُكسف شمسه، ويكتمل بدره.. ولا يدري يعيش أي حال بينهما؟
“كيف حالك؟”
هل لك من الوقت لتسمعي أحوالي كُلها يا صديقتي؟
بداخلي أحوال قبيلة كاملة، يضحك وجه طفلها، ويبكي كبيرها.. وتبقى يديّ بين مسح دموع هذا، والضحك مع ذاك.
هل لك من الوقت لتسمعي أحوالي كُلها يا صديقتي؟
حالٌ يفيض بالحُب فيضًا مدرارًا، وحالٌ خاوي الشعور لا يستطيع فك طلاسم العاطفة بداخله، حالٌ سخي اجتماعيًا يضحك مع هذا، ويسمع شكوى ذاك، بينما يقبع بداخله حالٌ منعزلة تُلملم بقايا كلماتها المتناثرة وتخبئها بعيدًا عن كُل أُذن.
كـ بحر تلاطم، تراقص، على الصخور مهللا..صاخبا، عميقًا سحيقًا هادئًا في قاعه.. حائرة أمواجه وتشتكي للشواطئ مدًا وجزرا، وبعرضه كان رفيقًا يرخي سمعه وصدرًا للهموم القاسية، وعدوًا غدار لا نأمنه.. متناقضة أحواله.
حالٌ تعيش كُل النهار بدماء تملؤها الحياة، وحالٌ أُخرى تدخل نفقها في الليل فلا ترى حتى ضوء نهايته، وأحوالٌ تخبئها أحوال أخرى كـ “قد أغني بصوتٍ ضاحك، ألمي..وأكتب الطَعم، إن لم أحظى بالحلوى”.
ياصديقتي، سمعت قولًا للشيخ الطنطاوي قال فيه:” وهذه الدُنيا علو وانخفاض، وقوة وضعف، نهار مُضيء بعده ليل مظلم، شتاء باكِ بالمطر، بعده ربيع ضاحك بالزهر”
ومالي يا صديقتي أُحس بحال الدنيا مُجتمعة كُلها بأحوالي في لحظة واحدة؟ ومن منا اقتبس حاله من الآخر؟
ولن ندُم على حالٍ من الأحوال، كسُنة ..ولكن جميعها في آن واحد، تشظي للقلب، وجنون.. وجنون.
هل بقي علي جواب: “كيف حالك؟”
أم هل لك من الوقت لتسمعي كُل أحوالي يا صديقتي؟
••
أدعو أن تكون أحوالكم متقلبة بين سرور لحظة، وبهجة أُخرى.
تمت،
الاثنين في:
الخامس من أكتوبر| ٢٠٢٠م
الثامن عشر من صفر| ١٤٤٢هـ
٥:٢٥ م