ذات أوجه!

السابع عشر من نوفمبر|الأيام الطويلة تنقذها الكتابة..

الكتابة مصدر اتساع، وهذه الليلة من الليالي التي تتبع التنهيدة تنهيدة أُخرى، لذا قررت الكتابة عن أسباب ضيقي كلها.. وتذكرت أحد أسباب ضيقي حين كنت صغيرة.. ولي منظور وفكرة شكلتها منذ فترة عنها..
ففي صغري كان نعت “حساسة” يُضايقني، لأنها لم تكن صفة تفضيل أو تميّز ابدًا، وكانت دائمًا تُطلق في لحظاتي السيئة أو سلوك سيء صادر مني بسبب انفعال أثره -حساسيتي-… الآن أود لو أني حينها أدركت كوني “حساسة” بمواقفي المليئة بالعاطفة الإيجابية، لما كان هذا النعت يشكل ضيق أو حرج أو حتى انفعال.. لكان مصدر فخر ربما لفترة طويلة من طفولتي !

والآن حينما يمر بالعائلة أو في العمل أو في أي مكان ومع أي أحد ..طارئ وأتحمل زمام الأمور وأنجو بالمهمة وأحمل ثقلها، لا أعول على حس المسؤولة بداخلي وإنما على -حساسيتي أو عاطفتي- لولاها بعد الله لما كنت أنجو من العقبات، فوجودها بداخلي يدفعني لأتحمل أكثر وبُحب، كانت قوة إضافية خفية.

بالمناسبة أعتقد إطلاق بعض الصفات على إنسان في لحظات خطأه أو انفعاله أو سلوكه السيء هو اسوء شيء يمر على أحد، لأني أظن بأن تكرار الكلمات يتحول مع الزمن لأفكار متقبلة ثم لمشاعر متأصلة ثم لصفات يظن أنها هو، فيصعب عليه انتزاعها دون محاولات مضنية ومجهدة تأخذ منه عمر!

-كم من شعور أحسسنا به لم ندرك يومًا أنه كان فكرة متأصلة سببها كلمات رُددت علينا مرارًا وتكرارًا فصدقناها عن أنفسنا؟-

وبهذا الشأن أتحدث عن الربط المقيت بين بعض الكلمات والصفات السيئة التي لا تدل عليها بالكلية، فينشأ المرء على كُرهها بطريقة غير مفهومة ولأسباب مجهولة، يترعرع عليها.

-نظرتنا للكلمة والشعور تحدد قوته واتجاهه إن كان إيجابي أو سلبي-

هذا معتقد يترسخ في أعماقي يومًا عن يوم.. فالعُزلة لا تعني إنسان كئيب بالحتمية، ربما العُزلة تعني تقرّب المرء من ذاته، تعني مرحلة حياتية لتصفية كل شوائب المراحل الماضية من عُمره.. ربما!

والشخص الغير اجتماعي لا يعني أنه -نفسيّه-، والطيبة الفائقة لا تعني -غباء- .. وإحسان بالكرم لا يعني بالضرورة -البذخ والإسراف- ..وتدليل الذات والثقة لا تعني -غرور- ..

حتى بعض الأفعال -وهي مجال واسع لا يمكن الحديث عنها اختصارًا- لكن باتت تؤول على نحو مختلف فمثًلا عدم مشاركة الاهتمامات مع شخص عزيز لا يعني تهميشه أو تقليل حبه ابدًا..

تصريف الكلمات والأفعال باتجاه معين يغير تمامًا معناها كليًا، ويحوم بنا حول فضاءات مختلفة عن فضاء ذلك المعنى أو الفعل الحقيقي له، وهذه كارثة بحق أنفسنا أولًا ثم الآخرين، أن يحوّر مقصدك وصفاتك وافعالك تحوير لا تعنيه ولا يعنيك أعتبره ظلم.. يصعب محوه وأثره على النفس عظيم وقاسي.

ولكل الأفعال أو المشاعر أو الصفات أوجه مختلفة، مثلًا العاطفة..

العاطفة قوة
إن أجدنا الاحساس بقوتها فينا..
مثل تمامًا عاطفة الأمهات في حُب ابنائهم حينما تمنحها القوة… في اعداد الطعام رغب التعب، تغلبها على لذة النوم حين السهر لأجل طفلها المريض، قوتها في تربية اطفالها رغم النظرة الحانية بداخلها.. والكثير من الأشياء الممتلئة بقوة العاطفة بداخل كُل أُم.

أظن أن استخدامنا الدائم لكلمة عاطفة وبجانبها ضعف أثر بشكل مباشر أو حتى غير مباشر على منظورنا للكلمة.. فنصف أحدهم بـ”عاطفي” مع نظرة حانية ملؤها الرحمة، وكأنه شخص ضعيف هش!

قد يكون عاطفي ولكن.. يُدرك معاني كلمات كُثر، فلا تخرج منه كلمة حتى يقلبها في موازينه قبل أن تصيب قلب “فُلان” فلا تشقيه..
قد يكون عاطفي ولكن.. تمرّ عليه التفاصيل الصغيرة بلذاذة منقطعة النظير، فلا يحتاج أطنان هائلة من المفاجآت السارة حتى يسعد قلبه..
قد يكون عاطفي ولكن.. كان هذا سرّه العظيم ونغمة أيامه المُبهجة..

-خذ منه عاطفته، وستأخذ رقته وحنانه وعذوبته كُلها-

تمامًا مثل اقتباس قرأته يومًا يُنسب لـ كايتلن جابا:
“كنت أمقت كوني رقيقة، اعتقدت أنها صفةٌ تجعلني ضعيفة، ولكن؛ خذ هذه الصفة الواحدة مني وستأخذ جوهر ما يجعلني أنا فعلًا، ستأخذ ضميري، وتعاطفي، وحدسي، وإبداعي، وتقديري لكل تلك الأشياء الصغيرة، وحياتي الداخلية الصاخبة، ووعيي العميق بألم الآخرين، وفوق ذلك شغفي بهذا كله.”

تقبل صفات المرء لذاته، كونه تميّز بها على الوجه الذي أحب منها هو وليس ما نعته بها أحد ما.. أثمن تقدير للذات، يشبه بإلقاء ضوء نحو بقعة مظلمة حينما استنارت بدت شيئًا مُبهرًا، اكتشافًا أضاء أفقًا وزاوية أبعد وأجمل للروح.

**

تمت،،

يوم الأربعاء في:
الثامن عشر من نوفمبر| ٢٠٢٠
الثالث من ربيع الثاني|١٤٤٢هـ

٣:٥٤ ص

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s