من جهازي المحمول..

الخامس من فبراير| ضيف قلبي.

لأول مرة أكتب من الجهاز المحمول بهذ الشكل, وددت أن أجرب هل أستطيع الكتابة بهذه الطريقة أم لا, ومن أول سطر يبدو أنها فكرة ممتعة, حيث تتقافز أصابعي بين أزرار لوحة التحكم بشكل فائق السرعة, أكثر مما ظننت, ولا أسمع سوى صوت طقطقة الأزرار, ونداء استغاثة من زجاج نافذتي إثر صفع الرياح الشديدة لها, لما أنا على جهاز المحمول؟ لدي اختبار للرخصة المهنية للمعلمين بعد أيام, تحديدًأ يوم الإثنين, وأهرب من المذاكرة بهذه الطريقة, لكني أعترف بأني متحمسة للاختبار لعدة أسباب, أولها لقاء رفيقتي اللطيفة, وثانيها عودتي للجامعة التي غبت عنها منذ شهر مارس الماضي…تذكروني ورفيقتي بدعواتكم بالتيسير لنا.

كان يومًا غاية في العمق والرضا, بدء من دهشة المطر, زائرنا الرحب الحنون, أتى مختبئًا عن النائمون والساهرون وحتى عن الديكة, وهطل هطولًا شاعريًا, و إنساب رقراقًا مع آذان الفجر, ينافسه في طمأنينته, هرعت بشرشف صلاتي الأزرق لأحضر كأس شاهي ذا عبق أحمر زاكي, وبت أرتشفه على وقع المطر أمام نافذتي, يشكل بذلك موسيقى للطبيعة تدخل خلجات نفسي وتستقر به بطمأنينة حمام الحرم, مراتُ يخفت, وحينما يكاد أن ينقطع يزمجر الرعد به ” ويحك كل الناس عطاشى لك فانهمر”, ولا يصدق مطرنا خبرًأ, ينهمر بأمر الله,ويعاود العزف,اكتست البقاع حول بيتنا به, ولم تسلم كذلك أريكتي ذات لون رمل الشاطئ البراق, ولكن لا بأس ذلك المطر, كأنه الابن المدلل لزوجين شغُفا بمجيئه 29 عام, وجاء بعد تمام الثلاثين.

بالنسبة لي المطر أحد بواعث انسكاب الشعر من فمي, استحضره بحضوره أكثر من غيره ولا أعرف لماذا, وكان نصيب اليوم لأبيات كتبها الدكتور ماجد عبدالله :

” ولمحتُ طيفك خلف أستار السحر
وكأنه قمرُ من الخجل استتر

والشوق في جنبي رعدُ بارقُ
هزّ الفؤاد ففاض عِشقًا وانهمر

فتلاقت الأرواح بعد شتاتها
وحنا علينا العمر وابتسم القدر

وضممت حبك في السماء كأنني
تلك الغيوم وأنت زخات المطر”

حينما انتهت إحدى مقطوعات المطر وذبل عزفه, تذكرت بأني جائعة, هل المطر ووقعه ينسينا حاجاتنا الإنسانية ؟ تلك أظنها ميّزة لا يحظى بها سوى أهل مدن الشرق, ويا لحظنا… تذكرت قطعة أخيرة من سينابون بعثته لي صديقة عزيزة على قلبي, حينما عرفت بأني “اشتهيه”,كان لذيذًأ لا يشبه إلا دفء معاطف الشتاء, يذوب في الفم, وتتمازج لذعة القرفة وحبيبات السكر الأسمر في آخر منتصف اللسان, مكسوة تلك القطعة بمزيج من الحليب المكثف والقشطة الكريمية ربما, لا تصل حبة السينابون للمعدة بل تدغدغ الدماغ وتستقر في القلب, قطعة غارقة في الجمال, تطيب بها النفس, أعادتني لأيام حنونة مضت, خُبزت بحُب يكتفي منه القلب, ثم دُمنّا رفيقاتنا ذوات شغف الطهي لقلوبنا..آمين, lol.

كان صباحًأ طويلًا بأحداثه ممتلئًأ بالتفكير والخيال تموج الأحاديث في عقلي, وكأنها ترى بأنه مدينة ملاهي لا تنام, أرى الأفكار به كلافتات مضيئة تسطع وتخفت بسرعة إطباق الجفن على العين, وأراها حينًأ أولاد مشاغبون يركبون أحصنة الملاهي الدوارة, تدور بهم لدرجة باني يستحيل عليّ تمييز ملامحهم, وأظن أن كل الأشخاص الهادئيين تسكنهم مدينتي الصاخبة هذه, بكل أولادها المشاغبون, تعج بهم الأفكار والكلمات عجًا, وتبقى أفواههم شحيحة الصوت والكلام, ويظل بيت أحمد بخيت أفضل وصف لهذا: ” لم تتسع كلماتنا لتقولنا… ليظل أبلغ ما بنا مطويا”.

كي أنفض جزء من هذه التفكير الجائر, تابعت حلقة من مسلسلي ذا أجواء الريف والفساتين المنفوشة وعربات الأحصنة, حتى ارتميت في شغف حديث إحدى الطفلات في المسلسل تخبر عن هدية والدها عامل المنجم المتوفى في حادث بعمله, أهداها قطعة فحم, هو الشغوف به وبعمله , قالت الطفلة: ” لكنه أجاب أنها كنز..الكنوز كلها تستحق التنقيب عنها, وهذا يكلف غاليًا دومًا”

بت أتفكر في ما اسميه ” كنزي” سواء أشياء وددتها, أو كومة الأحلام المرتميه على صخور أملي, كذلك هي تستحق التنقيب عنها, بصبرٍ كامل, وجهد القويّ, هل تكلف غاليًا؟ بلا شك, تأخذ ما تأخذ في طريقي نحو التنقيب,طالما كنت صادقة في رغبتي بها, لن تُنحيني جانبًا, ولن يختبر صدق حلمك سوى اختبار التنقيب ذاك, فإما هويت متعبًا, وإما مضيت رغم انكسارات التعب, ولا أظن من العدل الإنساني أن أحكم على صدقي من أول لحظة تخور بها القوى, فالدنيا مليئة بالفواصل الذابلة, أما الإنتهاء فهو نقطة صريحة لا حديث بعدها, ثم لا بأس إن كان انتهاءً صريحًا, أي نعم مؤلم, ولكن صدقك مع نفسك و عزيمتك, أحلامك.. يستحق, ولطالما كان صدقي مع نفسي مواساة لي, حينما أتوه في درب, واتألم من آخر, هامسه بـ ” رهف معليه المهم كنت صادقة مع نفسك”

في هذه اللحظة وأنا أكتب أسمع صوت الرعد يلوح لي, يجذبني لأن أتوقف كي أسبح خالقه فسبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته, زائري الحبيب ود قلبي ضيافته بشكل يليق به…وداعًا.

تمت،

الجمعة..

الخامس من فبراير| ٢٠٢١ م
الثالث والعشرين من جما الثاني|١٤٤٢هـ

١٠:٣٢ م

رأيان حول “من جهازي المحمول..

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s