معركة التجاوز.

الثاني والعشرون من مارس| ألم، جرح، ندبة.

-لست مولعة بالمعرفة، بقدر ما أنا أحب أساندك-
في حديث عابر كتبت لصديقتي هذه العبارة، حقًا أنا لست مولعة بمعرفة هموم الأصدقاء وتفاصيل خضم أمورهم الخاصة، بقدر ودي لمساندتهم، لمعرفة شعورهم وتحليله وإذابته للاشيء، أو حتى وقوفي معهم، للتربيته، لليد التي تُمسّد على روؤسهم وأكتافهم، للدعوة التي تُطيّب خاطرهم.

أرقني تساؤل مضى معي من الأسبوع الأول من يناير، دونته في مكان ما، لعلّي أعثر على إجابة تُسعف وجداني.. وبعد أكثر من شهر ونصف كتبت:

هل يمكن أن نتعافى بتفكيك الشعور لا حدث المشكلة؟
دائمًا أُفكر أن -حدث المشكلة- وقع وصار حتميًا، والتعامل معه يشبه التعامل مع ماضي لا يُفيد، أما ألمنا صادر من الشعور، هو الذي يؤلمنا، هو موضع الجُرح القاسي. لذلك حين أفيق من صدمة الحدث، أتجه لتحليل شعوري، والتفكير مليًا به، تحديده ووصفه بدقة، فتأمله لمعرفة سبيل الخروج منه، وعلى حسب رياح ذاك الحدث تكمن سُرعة خروجي منه.. شدتها أو خفتها، قوتها وقوتي، رغبتي وطاقتي، والأيادي الممتدة لي، وووو.

وتتخلل كل هذا كدمات وشعور مقيت إضافي، ولكن هذا ما يعنيه تفكيك الشعور والتخلص منه على أي حال، يضم جراحًا تُداوى، وقلبًا مكسورًا، وأيامًا يكون فيها القيام من السرير يُشبه الخروج من وطيس حرب ضروس.

ثم بعد كُل هذا يأتي التجاوز، وهو شيئًا اختيارًا، لا يُشبه ابدًا الاختيار بين بيتزا الجُبن وبيتزا الخضروات، إنه أكثر تعقيدًا، كأنه اختيار موضع نُدبة دائمة، وهذه الندبة كلما تحسستها، فاضت إليك ذكريات ما تجاوزته، سواء كان “شخص”، “مرحلة”، “شعور”.. وغيرها.

وقبل اختيار التجاوز، نسيت شرطًا محال أن تتم هذه القفزة لولاه، وهي الرغبة، القوة، العزيمة.. أن يكون ذاك الحدث ضررًا واضحًا لك، كأن يشلك من التفكير فيما سواه، أن يتسبب في وقوفك دون حراك لأشهر، لأعوام، وأن تدور دنياك حوله لا حولك.. لأنها دُنياك!
أو ببساطة فات أوانه، واستحال حدوثه، أو يكون محض سراب يُلهيك عن عالمك.

-أتذكر قبل أسابيع من الآن تحدثت إحداهنّ عن أول مرة زارها شعور الهلع، لمس ذاك الحديث كُل عواطفي، أعادني لتحسس ندبة الهلع، وخوفي منها، لكنّ تذكرت مراحل تجاوزي المتقطعة، تذكرت رغبتي وقوتي، وكتاباتي التي أوضحت مدى محال أن يمضي الوقت وتلك المشاعر معي.. فتجاوزت.-

والتجاوز آحيانًا ليس قطعًا للشعور، أو ترحيلًا للمرحلة، أو موت علاقة ونهايتها.. لا ، قد يكون تجاوزًا بتحول، كأن تتحول علاقتك مع “فُلان” لعلاقة وديّة آيضًا لكن مختلفة، بمعايير أكثر وضوحًا، أقل انجرافًا. أو تحولًا لزاوية نظرتك للشعور، كأن يكون هوسًا فصار علمًا ودراسة، أن يكون حُزنًا فيصبح دافعًا للقرب من الله، من معرفة ذاتك. أو يمكن أن يكون التجاوز تحولًا للمرحلة بحيث تكون فصلًا من كتاب حياتك، درسًا ينيرك في خطوتك القادمة.

وأدرك تمامًا أن التجاوز ليست مجرد قفزة خيل في سباق، أو بكاء ليلتين وتوجّع أسبوع، هو أعمق بكثير، واتخاذه مغامرة تتلى، وطوله وألمه يجعل خطوتك في اتخاذه مترددة وشائكه خصوصًا حينما نتجاوز شيئًا أحببناه، عشناه، وفاضت دنيانا به، لكن أنفسنا تستحق أفضل الشعور، والأيام، لذلك التجاوز يستحق الألم، وسهر الليالي، وتبلل الوسائد، وإنهاك جفن يتحرى لذة كرى تزوره، لكن سهادًا واقفًا بالمرصاد له.

وفي نهاية خضم معركة التجاوز، وبعد مُضي الأيام تلو الأيام، تحدث المعجزة الخالدة، والنعمة التي لو وهبنا الله كل ما نملك منه لما كفاه شُكرًا وحمدًا عليها.. النسيان.

‏”البطولة ليست في نتيجة المعركة، البطولة في طريقة تعاطيك مع جميع الخنادق التي تعترض طريقك، طريقتك في الخروج من كل ذلك ومحاولاتك المستمرة في سير الطريق حتى ولو كنتَ تحبو حتى تبلغ نهايته”.

تمت في يوم الاثنين:
الثاني والعشرون من مارس|٢٠٢١م
الثامن من شعبان|١٤٤٢هـ

٨:٤٢ م

رأيان حول “معركة التجاوز.

  1. رائعة كلماتك يا رهف ، بلسم ، و شفاء .
    مؤخراً ، أصبحت كما كتبتي : أفكك الشعور و أقلل من تحليل الحدث ، وبعض المشاعر السلبية أطبطب عليها كصديق قديم أعرف أنه لن يرحل و أنه جزء من اختباري في الحياة ، لأني بأختصار فشلت في معالجته لسنوات ، و لا أجد حلاً إلا المضي قدماً رغم كل شيء

    شكرا لهذا المقال

    Liked by 1 person

    1. اهلًا جوهرة♥️..
      قرأت تعليقك البهيّ وأنا أُعد قهوتي كاحتفاء مُصغر بيني وبيني ليوم ميلادي.. ثم جاء تعليقك فبات الاحتفاء احتفالًا عظيمًا بداخلي.. شكرًا لكِ جدًا!

      -أعرف أنه لن يرحل وأنه جزء من اختباري في الحياة-
      عظييم، آحيانًا التعايش مع الأمر وكأنه جزء من ذواتنا يكفي لتضميد الجرح وتجاوز الألم، ثم الاعتياد عليه.. ورؤيته بحُب، كجزء لا ينفك منّا.

      إعجاب

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s