يناير| “حلمي الصغير”.
أغيب كثيرًا عن هُنا، من نوفمبر الماضي غرقت في موجة أبعدتني عن الكتابة أو بالأصح عن النشر!
استهين بجدوى الكتابة هنا، فتغمرني اسئلة الأصدقاء المقربون عن غيابي في “المدونة”، واستعيد رسائلهم بعد كُل تدوينة بابتهاج، وأعاود الكتابة بتذكر هدفي الأساسي “تدوين مراحل شعورية” لتتبعها وتذكرها والضحك عليها مستقبلًا:).
–
أما في يناير كتبت:
كُل شيء قابل للتغيير. لو كان بإمكاني كتابة وسم للعام المنصرم، ستكون بالتأكيد هذه العبارة.
يخطر في بالي منظر الحيوانات التي تُبدل جلودها، وأظن أن انسان العصر الحديث لا يختلف قطعًا عنها، تبدل الأفكار، الأحلام، الآراء، العلاقات والأدوار، وحتى باتت المعتقدات آيضًا تسيح في دوامة التبدل. مع احترامي للانسان رغم تشبيهه:) .
عام كامل مليء بالتغييرات، بدء من شكلي الخارجي، إلى أعمق نقطة في قلبي، هل أنا سعيدة؟ أود لو أني أقول بثقة مطلقة.. نعم، وطبعًا ليست الإجابة المثلى هي .. لأ، بين بين يأخذني بساط هذه السنة عاليًا لأحلق، ويرميني آحيانًا للقاع، لكن بين التحليق والهُبوط لا زلت رهف التي أرضى عنها نهاية كثير من الأيام.
–
عامٌ من جودة الشعور
لم أبحث عن جودة الاشياء، وإنما تخليت عما زُيّف منها، فبات ما أهبه شعوري ذا استحقاق عالٍ، ليس عالٍ في مقياس عين أخرى، وإنما اكتفي بتقييمي الخاص، المكسو بالحُب والرحمة.
ارتئيت التخلي كخلاص يكفيني من شوائب و وعثاء الاحتيال، والاعتياد، والتغاضي والمجاملة. فمثلًا، باتت كُل لقاءاتي محفوفة بالكثير من رغبة اللقاء، وشوقه، وصدق الانسجام. لم أذهب للقاءات المجاملة إلا مرتين أو ثلاثة فقط، لرغبة والديّ أو لشخص مقرّب.
كنت في فترة زمنية سابقة أحاول اخفاء عاطفتي أو التحكم بمداها، تغيرت الحال في هذا العام، فبتّ انظر لمدى أهلية ما أجود بها عليه. فإن كانت للشيء/للشخص المناسب لا أكترث ابدًا، أُحب بكل ما في روحي من حُب، وهذا السخاء ينعش روحي، فـ وهبه للمكان المناسب، يطيب بالروح ويردّ عليها شجنها بطريقة حنونة، لا تشبه العطاء لمجرد الأخذ، وإنما تشبه مشهد احتضان اليدين.
حتى فيما أهبه جُلّ وقتي أُعيد النظر فيما تأخذني لفعله العادة أو لتأثيرًا خارجيًا ممن حولي أو مما أشاهده دون رغبة خالصة مني، فأحاول الخلاص منه. أحاول، تبوء احيانًا محاولاتي بفشل ذريع، فأتخبط لفترة ما، حتى تصبح مسألة شائكة، ويفوز في النهاية عِنادي الحبيب حيث مال.
فصرت اقرأ ما رغبت حقًا بقرائته ليس لأجل توصية ساقتني اجبارًا له، وبت اشاهد ما أُحب مشاهدته بعيدًا عن رأي مُجتمعيّ عنه، أتابع ما يروق لي، أعبر عما يختلج بقلبي بناء على اللحظة.
تخلصت من علاقة ما، كلمة -تخلصت- تنمّ عن نفور شديد، لكن لأ، لم يكن نفورًا لكراهية، وإنما لكون ارتباطها كان وثيق بي، فالتخلص تعبير شديد الوضوح ومناسب جدًا في حالة كهذه، تخلصت من شكلها وطريقة ارتباطي بها، حتى طريقة التعبير بيننا باتت أكثر اختلافًا، وهذا التحول كان مفهومًا جديدًا عليّ، لم أرغبه في بداية الأمر، ولم أعتد عليه حينها، لكن حينما استساغه قلبي، صارت اللحظة بيننا أكثر سلاسة، مُحتفظة بود يغلف الذكرى ويحفظها من النفور ليس إلا. عرفت أن التحول السلبي داخل العلاقة يثمر احيانًا، في النهاية ليست كل الثمار محببة، لكنها ثمار!
–
إنجاز العام..
تنقية المفاهيم الشعورية من ترسبات مجتمعية، و مشاهد درامية، وحكايات خيالية، وكان ذاك إنجازي الخاص بي، فأرى المفاهيم بما فيها من حقيقة واقعها وليس بما صُوّر في الذهن عبر السنين. وهذه أحد قضايايّ بيني وبيني، لا أحيد عن واقعية الأمور، والواقعية كلمة لا تعني اعتياد لذة الشعور وسخفه وبساطته وحتى الوقع في شباك ألمه، وإنما الحياة فسيحة، ملونة، بهيّة، وواقعها فسيح، جميل، معانيه تحمل أوجه متعددة خلّابة مهما نغصّتها الأكدار، ولوّثتها الجراح، تكمن قصة جمالها في ثناياها وتفاصيلها الصُغرى، وفي ولادة الجمال من عمق القبح، مثل استبشار البرء بعد أنين الجرح، وأخرى تفاصيل صغرى تتمثل في تشابك أيديّ الأصدقاء، في توسّد أكتاف الأحباب، في الضحك على براءة طفل، وفي صفاء جلسة يومية، في اندهاشٍ ما، وفي عذوبة قصيدة، ورفقة كتاب، في تأمل سماء زرقاء، أو الاستبشار بتلبّد الغيوم، أو مراقبتها في المغيب، أو للحظة ماطرة، وفي التقاط أبيات ولفظها بالوقت المناسب، أو في التصابيّ احيانًا واللجوء للتفاهة لتمضية الوقت -وهذا ما امارسه احيانًا-، في التلهف للحظة منتظرة والتوق لها، في قراءة رسالة طويلة من صديق أو حتى كتابتها، في التماهي مع صوت الطبيعة، وفي رقة الفجرية. وفي بهاء أي لحظة يومية، لأن كل لحظة تستحق الوقوف لها بين الحين والآخر، لحُبها وحمدها حتى تدوم.
–
في مكان ما لست أدري أين، قرأت أن كتابة يومك البهيّ الخيالي يساعد بطريقة ما في جذبه إليك -لا أؤمن بكل خزعبلات طاقة الجذب- لكن أؤمن أنك حينما تحدد ما ترغبه ستسعى إليه، لوضوحه أولًا، ولتوقد الرغبة فيك ثانيًا. حاولت مرارًا كتابة أيام مثالية مثل أن استيقظ صباحًا باكرًا وأتناول الفطائر المقلية المُحلاّة مع قهوتي دون أن اشعر بألم المعدة، و أواصل سير كتابة يومي حتى أدق التفاصيل. ينتابني بعد الكتابة شعور جيد لأعترف! لكن أفشل في تحويل هذا الشعور لدافع يُطبّق، لا أذكر أني استيقظت صباحًا باكرًا، بل كانت هذه السنة أكثر سنوات عُمري سهرًا حتى منتصف الصباح.:)
ملحوظة: أُحب السهر لا اشتكي منه سوا هالاته السوداء، يغمرني بالاستئناس والهدوء.
ولفشلي الذريع في كتابة يومٍ مثاليّ بهيّ وتطبيقه، قارنت بين كل ما كتبت، وعرفت من بينها كُل الصفات التي أُحب أن ألاقيها في أيامي المثالية، كان اكتشافًا لطيفًا، أراحني من جدوى الالتزام بأكل فطور الصباح مثلًا! ، فلا يهم إن تناولت فطوري في السادسة مساءً إن كنتُ أرفل في الهدوء، ولا يهم أن أُعدّ غداء أختي الصغرى قبل مجيئها للبيت إن جالستني بالمطبخ وأنا أُعد الغداء فتحدثني عن أحداث يومها وبهذا أُفسح لنا مزيدًا من الوقت. عرفت أن ضبط التوقيت رغم أهميته لا يساوي مزاج جيد ولحظة مطمئنة وإنتاج مفيد، الارتكاز -بالنسبة لي- يكمن بردة فعلي أولًا واخرًا.
“يناسبني هدوء الأيام، وتعنيني الآن فكرة أن أرعاني أكثر من أن أغيرني”.
–
“الحياة الحقيقة تحدث في الداخل”
يهرب الانسان احيانًا من لمس داخله، يخشى أن تكون يديه باردة و جوفه مشتعل، أو أن تكون يديه مشتعله تفتق عن جروحٍ برئت، فمن يعيد له طمأنينته في كلا الحالتين؟
وينسى أن النظر للداخل والتصالح مع كل النتوء يعيد طمأنينته إليه، فيصير منبعها منه، لا يمكن سرقتها أو منعها عنه. والرحلة للداخل تستحق مهما كانت شائكة، لا زلت في رحلتي، لم أصل، لكني استعين بقلبي كدليل، وبصديق لا يفتأ يذكرني “أني مو وحيدة” على حد تعبيرها، أفتديها.
“ستكبر وتفهم أن الصحبة أهم من الطريق، والرحلة أمتع من الوصول، وأن الزحام آحيانًا أكثر وحدة من العزلة، ستعرف مع الوقت أن خوض التجارب أهم من شراء الأشياء، وأن الروح الحلوة تعيش أكثر من الوجه الجميل، وأن عملك يعود إليك ولو بعد حين أيًا كانت طبيعته، وأن أهم بطولاتك لم يشهد عليها أحد، وأن الحياة الحقيقة تحدث في الداخل”- أمل السهلاوي.
–
بماذا لهوت؟ أظن أن -اللهو- مفهوم جديد مضاف إليّ، أيقنت أن على الإنسان بطريقة ما يلهو عن تعاسته، آلامه، ظروفه القاهرة، وشجنه، ولهيب أشواقه حتى، عن لياليّه المضنية، بقصيدة ما، بخربشة يظن في أعماقه أنها فنًا، بوقت ضائع ليحادث أحدهم، بالبحث عن شاعرية اسوء الاشياء وأكثرها -غلاسة- بأيامي مثل أصوات المستشفى من على كرسي الانتظار اتخيل لها إيقاع ما، وهذا صنع فارقًا بأيامي، بنظرتي للأمور المعقدة، وباستيعابي لمعنى الكبد في حياة الانسان. في هذا أتذكر تغريدة تميم التميمي: ” (لا حيَّ ينجو من العَطَبْ) أحد الأفكار البديهيّة اللي صاغها لبيد بن ربيعة بجمال، ويعجبني كيف قرن فكرة أن يبقى الإنسان حيّ بالتعرض للانكسار وخيبات الألم، وأن هذه الأعطاب كلها دلالة الحياة.”
ومن هذا العَطب تنطلق -بالنسبة لي- جماليات ما، أو هذا ما يصوره لي قلبي وعقلي لأتخفف، مثل لحظة ابتهال ونجوى لله تُسكن القلب، أو بالشجن في ظل روح صديق حميم تخفف عبء الحياة، أو لحظة التمسك بأمل سحيق، شيء ما يخفف هذا العطب، وهذه الروح المليئة بالتعب ربما، بالخيبات، وبالأشياء غير المكتملة. أتمسك بأمل وجود جمالٍ خفي، وأتسلى بالبحث عنه.
–
(لابُدّ من تجاوز)
أعوام مرّت ماضية كنت أحسب أن التجاوز لابُدّ منه والأسى كُل الأسى في الضياع الذي يحدث قبله، وأعتقد أني عرفت أن لا بأس من الضياع. قرأت مرة لتجربة تجاوز، في كتاب ما، بدأت بـ: ” السبيل الوحيد للنجاة وبلوغ الجانب الآخر من النفق هو في عبوره، وليس في الاستدارة حوله، لكن لا يسعني في الوقت الراهن أن أتخيل حتى المدخل إليه”.
فلا بأس من الضياع قليلًا للوصول لمدخل النفق الصحيح، بدل الخوض بمداخل عدة نتوه فيها قبل التجاوز. ثم للضياع وجود، من نحن حتى لا نخوضه؟ يكفينا تبجيلًا لأنفسنا:)
–
“حلمي الصغير أن أحيا بسلام”
تتبدل الأيام والأمانيّ ويبقى هذا الحُلم الباقي، الحياة بسلام داخلي، بقُرب الأحباب، بظل الأصدقاء، وكنف أيادي نألفها، ببيت دافئ، تعمره الضحكات، والحديث المؤنس، والصمت المطمئن. يا ربّ.
.
عشوائيات مقتبسة من أيام ديسمبر٢٠٢١:
.
دعوات خالصة بأيام ملونة، رحبة، للأصدقاء هُنا. دُمتم مطمئنين.
تمت،
الرابع والعشرين من يناير|٢٠٢٢
الواحد والعشرين من جمادى الثاني|١٤٤٣
١:٢١ ص
🥺🥺🥺🥺🥺🥺🥺🥺
إعجابLiked by 1 person