السابع عشر من أوغست| من أجل عيش لحظات سعيدة أطول.
منذ فترة ليست بالبعيدة، قررت أن أهب اللحظات السعيدة أوقاتًا أطول، لأنه بات يُقلقني ركضها، جريانها من بين يديّ بسرعة هائجة، كما لو أني أُطاردها بكُل ما بي من قوة وسُرعة.
كيف؟ كان هذا هاجس كناقوس يدق في وجداني، لا سبيل لي لعيشها كاملة دون أن تمضي مُسرعة، أو أن أُخرج رأسي من لحظة السعادة لأرى “ما القادم؟” من أحداث متواترة، أو خوف، أو أو أو.
مررت يوم الاثنين ما قبل الماضي بلحظة سعادة عظيمة، لم تزرني منذ فترة، عشتها بكامل تفاصيلها بعد عبارة ألقيتها على صديقتي: “ودي أوقف اللحظة هنا.. للأبد”، وكنتُ أعنيها فعلًا.
كانت عبارة ذات زُهد عظيم، أنا التي تطلب المزيد من الحياة في كُل يوم، مُفعمة بالأحلام، أعيش على أمل تحققها، وأركض في سبيلها، حتى أني أنتشل حزني بحُلم تلو الحُلم.. كيف لي أن أزهد؟
أتذكر أني دائمًا ما أنفر من مصطلح “الزهد”، أراه قاتمًا مُظلمًا بلا روح، حتى عرفت أن أسعد لحظاتي كانت تلك التي تمسكت بها شعوريًا، و زهدتُ فيما سواها، لا يهمني الغد ولا إنجازاته ولا حتى طلب المزيد من اللحظات السعيدة المماثلة، كُل ما يهم هي اللحظة السعيدة التي أمرّ بها، تاركةً خلفي كُل ما مضى وما سيأتي، زاهدة فيما دونها.
في حديث سريع قبل النوم قلت أن مفهومي الجديد للزهد *من أجل عيش لحظات سعيدة أطول* يشبه الزهد بمفهومه الديني، أرى أنّ ما يُصبّر ويهوّن على الزُهّاد زهدهم، إحساسهم بالسعادة في ظل رحمة الله ومعيّته ولُطفه، ما دون ذلك يبدو هيّنًا لا يزن طمأنينتهم، وبهجة أرواحهم.
يشبه أحد تعريفات مفاهيم الحب عندي، أرى أن الحُب الساميّ هو زُهد المحبوب بأي شيء خارج إطار كيان محبوبه، فلا يخونه لأنه زاهدًا بغيره، ولا يقلل من شأنه لأن في قلبه لا شأن يعلو على شأن محبوبه إلا خالقه، مكلوفًا به، تاركًا ما سواه بلا إجبار ولا إقناع، بل حُبًا وكرامة!
هل يعني الزهد إخلاء سبيلنا من عُنق التمنيّ؟ الأمنيات هي سبيلنا للحياة، وقودنا في حالات التعب، وتركها يُفسح مجالًا للفراغ، ومصاحبتها يوضح درب الركض في مضمار الحياة، لا أظن الزهد يشمل أحلامنا وأمنياتنا، بل يقوينا للوصول للحظة سعادة أُخرى، وهذا تناقض عجيب صعب عليّ وصفه وشرحه، لكنّه أطال بعُمر لحظاتي السعيدة بزهد جميل، دون أن أُهدر أحلامي تخليًا.
٢:٢٩ ص| الثلاثـاء.
الصورة: لحظة سعادة بالغة وغامرة، زهدتُ حينها فيما سواها، حُب عظيم لها.