نافذة صغيرة.

التاسع والعشرون من مايو| فصول وعودة.

اهلًا بعد طول غياب عن هُنا.. اشتقت):

أخذتني الأيام بارتفاعها وانخفاضها عن الكتابة مطولًا وبثه هُنا، أيقظني من سباتي نداء صديق حميم، يفز القلب لنداءاته مهما ظننت أنه ميّت، وها أنا ذا أعود بطيفٍ خَجِل.

من يناير المنصرم إلى مايو الحالي تُطل علي الحياة من نافذة صغيرة، أقف سارحة ومتأملة، فتهب منها الأعاصير مرة، ويداعب شعري النسيم مرات، تحرقني سموم الشمس أيام، وتأخذني الوحدة مع حلكة الليل احيانًا، يغسل المطر قلبي من خلالها لأيام.. وأظل رهف الواقفة بصبر يسندني لُطف الله، فـ كتف صديق، وحلمٌ بعيد.

استأنس على المشاعر اللطيفة في أيامي تلك التي أتأملها قبل النوم فتطبع قبلتها على جبيني وتهدهدني حتى أنام، تتغلب على كل الأرق الساكن أجفاني. المشاعر المغلفة بكلمة من مُحب، أو حضن من صديق، أو تربيتة يد أعرفها موشومة بالسخاء.

-”إياك أن تنسى أنك في يوم من الأيام كنت تدعو الله بـ الاشياء التي تمتلكها الآن“.

أضع رأسي على الوسادة حيث منظر الدنيا من هناك حالك جدًا، كظلمة ما أُفكر به، حتى تترأى لي هذه العبارة وأفكر في الاشياء الموهوبة لي بعد دعاء طويل منذ زمن، وأشغلتني الدنيا عن الالتفات لها وشكرها حق الشكر.. فتظهر لي بحلكة ليلي كنجومًا تواسي، تسلي، وتُسعد.

توقفت هنا عن إكمال التدوينة لوجع ما يلم بي، حتى ما هُتف لي ففز قلبي واقفًا بـ طاقة من لا يوجس همًا ولا وجعًا، فعرفتُ أنه الحُب، اتذكر قولًا لـ روبي كور:”الحب هو أفعالنا، هو بذل كل ما نستطيع، حتى و إن كان مجرد تقديم القطعة الأكبر في الكعكة فحسب”.

في هذه اللحظة أعرف أن أحد أشكال الحُب هو -بذل كل ما نستطيع- بغض النظر عن الحاجز أمامك، المُحب لا يثنيه شيء، لا ألم، لا ظروف، لا مسافات. القوة الخارقة في الكون هي الامتداد بين المُحب وأفعاله مهما كانت صغيرة إلا أنها حتمًا تعدت حاجز ما كان يظن أنه لن يتخطاه، فيحب ويتخطى.

هلوسة شكل الألم السابق: يسري في عروق رأسي صداع رهيب، يحتل محجر عينايّ، فلا تكفيه حتى يدب فوقها ببطء رهيب ليستقر أعلى رأسي، وأحس أنه يخاف الأماكن المرتفعة فيهوي بكل ثقله لآذناي، فينفجر صارخًا على شكل طنين مدويّ.. وبعملية متواصلة تأخذ أجزاء من الثانية يتكرر سيناريو الألم الفظيع هذا.

وبعينان تطرز الدموع على خدي دون إرادة تكن ردة فعلي، استسلم دون مقاومة، غير آبهه بتخيلاتي التي تستقصي عن تساؤل الوسادة التي تحت رأسي لو كانت كائن حي؟ تضمني ربما؟ تدفعني جانبًا؟ أو ماذا؟

حتى الخفة تحتاج لسعي.

كم أُحب أن أذكر نفسي بهذه العبارة كُلما أردت تخفيف الحمل عن أكتافي، “هل تريدين؟ أسعي”. و قوله تعالى : ( وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ ). ولا أعرف لما ارتبطت الخفة عندي بالسعي، ليست هي وحسب لكنها الأكثر قُرب وتحققًا في ذهني.

لا يكون المرء خفيفًا إلا بسعي منه على الخلاص من شكوكه، وما يحيط بمخاوفه من عراقيل زائدة الحمل، فلا إنسان بلا كدر، لكن مع الأكدار اكدارًا زائدة تضيّق الخناق بلا داعٍ وتزيد على الكيّ ملحًا بلا حاجة، فالتخفف منها سبيل للراحة، للسلام حد حيز الدنيا بعد استقرار أمنه وقوت يومه.

في أحد صباحات الأيام القريبة الماضية، وبشكل أحسبه هزليًا -لكنه جادًا في أعماقي- نتحدث أنا وأقرب الأصدقاء عن أمنية ما مشتركة، صغيرة لذيذة ومبهجة إن مرّت بالخاطر، وما إن انكفأ حديثنا، بت أرسمه في مخيلتي، ألمسه بسعادة غامرة، وفي عينيّ إصرار وسعيٌّ ما لتحقيقه معها. أربط هذه الأمنية تحديدًا بكلمة -سعيّ- حتى أعود لها حينٌ من الدهر، فأُقلّب ما فعلت بي هذه الكلمة في أمنيتنا. إن شاء الله.

وعلى ذكر هذا، قبل أشهر أتحدث عن خوفٍ ما لأمي، فترد حازمة قاطعة لكل أعذاري وأوهامي بـ ” دام نيتك صافية اسعي وما تضيعين”. للآن أُفكر ماذا يثني النوايا الصافية المعقودة بسعيّ خالص؟ فيطمئن قلبي.

وماذا إن تعثر السعيّ؟ الهزائم واردة، والعثرات خلقت حتى تقوّم اعوجاج الطريق. ثم على المرء أن يكون حنونًا على نفسه، لينًا مداريًا لها.

من نافذتي الصغيرة التي أُطل لأعرف تغيير الفصول، من نسيم الربيع إلى قيظ الصيف إلى مرارة الخريف وصولًا لمطر الشتاء، وفي كل فصل عليك تبديل ما ترتدي، ما تشرب، ما تأكل، وأدركت أنه خلال كل هذه التقلبات عليك أن تعرف ثباتًا من تُصاحب في كل فصولك، لا يتبدل مع الرياح ولا لهيب الشمس ولا يسقط مع أوراق الخريف. وفي كل تبدُل يبقى هو الركن الثابت حين تميل.

قاعدة: اختر دائمًا من يتحمل كل فصولك.

-أدام الله لي صديقي لطالما وقف معي بلا كلل مهما كانت فصولي قاسية أو باردة وجافة، يدًا تربت وتحنو وتحن، إن جفّ ماء روحي ظللني كغمام وهطل، وإن قسى يومًا لفظي بادر وصفح، إن بكيت صار كله يدٌ تمسح دمعي، وإن داهمتني غربة الموقف تحولت ذراعاه للوطن.-

تنقضي أحاديث تدوينتي، لا شيء فيها مهم إلا اشتياقي لهُنا، وعودتي للتدوين من جديد. بالمناسبة خلال غيابي وصلت مدونتي لـ ٥ الآف زائر.. سعيدة جدًا وشاكرة آيضًا لكل اصدقاء المدونة. : )

تمت تحت تأثير الحُمى وصداع جديد..

في ظهر الأحد:

التاسع والعشرون من مايو|٢٠٢٢

الثامن والعشرون من شوال|١٤٤٣

١٢:٣٣ م

(الصورة ليوم سعيد في الثلاثين من مارس ٢٠٢٢)

رأيان حول “نافذة صغيرة.

  1. مبدعة كالعادة …مشاعرك وكلماتك اشعر انها تخرج مني لامنك ياعزيزتي ..من شدة ماتلامس حروفك شغاف قلبي …وكأنها تعبر عني وعن كل ماعجزتُ عن حكايته والبوح به ….تحياتي
    دمتِ بخير …

    Liked by 1 person

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s